التاريخ: :
الثلاثاء, 18 ديسمبر, 2012
غضب تونسي في ذكرى انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي
الشعب يريد إسقاط الحكومة
احتفل التونسيون يوم
الاثنين بالذكرى الثانية لانطلاق شرارة ثورتهم التي اشعلها بجسده محمد
بوعزيزي، من مدينة سيدي بوزيد ،محققا نقلة فارقة في تاريخ بلاده،أدت إلى
انتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي
،وسرعان ماانتقلت شرارة بوعزيزي الى دول أخرى، سميت لاحقا بدول الربيع
العربي. وأبرزت الذكرى الثانية لانطلاق شرارة الثورة انقسامات بين الشعب
التونسي حول وتيرة التغيير الديمقراطي في البلاد.
بسبب تأخر برامج التنمية والتشغيل وانتشار الفقر والبطالة هتف متظاهرون
تونسيون في انحاء متفرقة من البلاد “الشعب يريد إسقاط الحكومة” واثناء
زيارتهما إلى محافظة سيدي بوزيد (350 كلم جنوب غرب العاصمة) للمشاركة في
الاحتفال بالذكرى الثانية لانطلاق الثورة التونسية، رشق متظاهرون تونسيون
الاثنين بالحجارة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي
مصطفى بن جعفر، وتعرض المرزوقي للرشق بالحجارة بينما كان بن جعفر يستعد
لإلقاء كلمته، مما جعل قوات الأمن تسارع بإجلاء المسؤولين من عين المكان.كما قطع مصطفى بن جعفر كلمته أمام المشاركين بعد أن بدأ محتجون برمي الحجارة، مما اضطر المسؤولين الحكوميين إلى مغادرة المنصة وإنهاء الاحتفالات التي كان من المقرر إقامتها في المكان الذي أحرق فيه محمد البوعزيزي البائع المتجول نفسه في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2010 في سيدي بوزيد، وكان ذلك هو الحدث الذي أطلق شرارة الثورة التي أطاحت بن علي.
وهتف قسم كبير من الحضور الذين قدر عددهم بنحو خمسة آلاف شخص بشعار “إرحل إرحل”، وهو الهتاف المشهور الذي كان يطلق بوجه الرئيس بن علي قبل سقوطه. ورد المرزوقي على هتافات الاستهجان، بقوله “أفهم هذا الغضب المشروع إلا أن الحكومة حددت الداء وخلال ستة أشهر ستشكل حكومة تصف الدواء لشفاء البلاد مما تعاني منه”.
وأضاف “للمرة الأولى لدينا حكومة لا تسرق أموال الشعب”. وكان المرزوقي تعرض لهتافات مناهضة له لدى زيارته ضريح محمد البوعزيزي.
يذكر أن المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي وأعضاء الحكومة كانوا قد حضروا إلى مدينة سيدي بوزيد للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة، في وقت دعا فيه حزب الجبهة الشعبية المعارض في تونس إلى الاحتفال عبر الاحتجاجات على نقص التنمية في مناطقهم. وقالت التنسيقية الجهوية للحزب في محافظة سيدي بوزيد إن الدعوة إلى الاحتجاج موجهة إلى كل العاطلين والفقراء بالمنطقة.
ودعا حزب الجبهة الشعبية المحسوب على اليسار الاشتراكي إلى تنظيم احتجاج سلمي في ولاية سيدي بوزيد بدل الاحتفالات بالذكرى الثانية لاندلاع الثورة التونسية. وقالت التنسيقية الجهوية للحزب في محافظة سيدي بوزيد (350 كلم جنوب غرب العاصمة) إن الدعوة إلى الاحتجاج موجهة إلى كل العاطلين والفقراء بالجهة. وطالب عضو التنسيقية بالجهة لزهر الغربي في تصريح إذاعي أهالي سيدي بوزيد بـمقاطعة “الاحتفالات النوفمبرية للسلطة”، في إشارة إلى احتفالات 7 نوفمبر/ تشرين الثاني التي كان يحييها النظام السابق تحت حكم الرئيس بن علي بمناسبة ذكرى استلامه للسلطة. ومن جهتها دعت الهيئة الجهوية لحماية ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول في بيان لها أهالي سيدي بوزيد إلى وقفة احتجاجية سلمية في إطار احتفالاتها بالدورة الثانية لمهرجان الثورة.
وقال مهدي الحرشاني عضو الهيئة “كانت الرئاسات الثلاث في تونس وعدت بتخصيص يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول كعيد وطني يرمز لتاريخ اندلاع الثورة وليس يوم 14 فبراير/ شباط التاريخ الذي سقط فيه النظام لكنهم لم يفعلوا كما وعدوا بتخصيص برنامج استثنائي للتنمية ولم يلتزموا أيضا”. وبعد الإطاحة بالنظام السابق استمرت الاحتجاجات الاجتماعية من حين لآخر في سيدي بوزيد وعدد آخر من المحافظات التونسية، بخاصة بجنوبي البلاد وغربيها بسبب تأخر برامج التنمية والتشغيل وانتشار الفقر والبطالة.
ذكرى مفجر الثورة
يكنى محمد البوعزيزي الذي اطلق الشرارة الاولى لثورات الربيع العربي بـ”بسبوسة” هو شاب تونسي من عائلة تتكون من تسعة أفراد أحدهم معاق. كان والده عاملا في ليبيا وتوفي عندما كان يبلغ محمد من العمر ثلاث سنوات. تزوجت بعدها والدته من عمه، تلقى محمد تعليمه في مدرسة مكونة من غرفة واحدة في قرية سيدي صالح، واضطر لأن يعمل منذ العاشرة من عمره لأن عمه كان مريضاً ولا يستطيع العمل. وبعدها ترك المدرسة حتى يستطيع العمل لساعات أطول.وتذكر مصادر عدة أنه يحمل شهادة جامعية ولكن أخته سامية قالت إنه لم ينه دراسته الثانوية ولكن كان هذا مراده وكان يشجع أخواته على إكمال دراستهن. و تقول والدة محمد إنه حاول التقدم للجيش ولكنه لم يوفق وتقدّم لعدة وظائف أخرى دون أن يوفق بها أيضاً. كان محمد يعيل عائلته ويتقاضى حوالي 180دينارا شهرياً أغلبها من بيع الخضار والفاكهة في شوارع سيدي بوزيد.
وبدأت شرارة الثورة التونسية عندما اعترض عناصر من الشرطة البلدية في فجر الجمعة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد البوعزيزي في الأزقة محاولا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته، ورأى الواقعة عم البوعزيزي فهرع لنجدة ابن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعوا الرجل يكمل طريقه إلى السوق طلبا للرزق. ثم ذهب العم إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه. وتقول مصادر إن الشرطية فادية حمدي ذهبت إلى السوق مرة أخرى في وقت لاحق، وبدأت مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا الميزان. بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهدا. عندها عزّت على البوعزيزي نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل. وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا: “لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل”.
حاول أن يلتقي البوعزيزي بأحد المسؤولين لكن دون جدوى. ثم عاد إلى السوق وأخبر زملاءه الباعة بأنه سوف يشعل النار في نفسه ولكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد. وقف البوعزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ (ثنر) وأضرم النار في جسده. اشتعلت النيران، وأسرع الناس وأحضروا طفايات الحريق ولكنها كانت فارغة. اتصلوا بالشرطة، لكن لم يأت أحد. ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه،ومن جانبها نفت الشرطية فادية حمدي صفعها للبوعزيزي وأصرت على براءتها .
مسيرات الانتقام
وأدى حادث محمد البوعزيزي إلى احتجاجات من قِبل أهالي سيدي بوزيد في اليوم التالي، يوم السبت 18 من كانون الأول/ ديسمبر عام 2010، حيث قامت مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن. المظاهرة كانت للتضامن مع محمد البوعزيزي والاحتجاج على ارتفاع نسبة البطالة، والتهميش والإقصاء في هذه الولاية الداخلية. سرعان ما تطورت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة وانتفاضة شعبية شملت معظم مناطق تونس احتجاجاً على ما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد ،حيث خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية.أجبرت هذه الانتفاضة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي -الذي كان يحكم البلاد طيلة 23 سنة- على التنحي عن السلطة وفي نفس اليوم أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك استنادًا على الفصل 56 من الدستور التونسي،غير أن المجلس الدستوري قرر اللجوء للفصل 57 من الدستور وأعلن في اليوم التالي (السبت 15 يناير 2011) عن تولي رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وتوفي محمد البوعزيزي يوم الثلاثاء 4 يناير/ كانون الثاني عام 2011 عن عمر 26 سنة متأثراً بالحروق التي أصيب بها منذ 18 يوماً. وقال النقابي وشاهد العيان كمال العبيدي في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية أن أعداداً كبيرة من قوات الأمن “منعت باستعمال الضرب مشيـّعي الجنازة من المرور أمام مقر المحافظة” بعد أن كان سالم -شقيق محمد البوعزيزي- قد أعلن أن الجنازة ستمرّ أمام مقر الولاية وقد شيع جثمانه الآلاف.
وقد أعربت والدته عن شعورها بالفخر بما قام به ابنها وبالدور الذي لعبه في تحقيق التغيير في البلاد، كما سحبت شكواها ضد الشرطية فادية حمدي في 19 أبريل 2011 “لتجنب الكراهية وللمساعدة في مصالحة سكان سيدي بوزيد” فيما قالت الشرطية “إنني بريئة. لم أصفعه” قبل أن يحكم القاضي بشطب القضية ويأمر بالإفراج عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق