جريــــدة الشـــروق
الرّابــــط:http://www.shorouknews.com/menbar/view.aspx?cdate=10112011&id=27c9e34d-bd4d-4462-887a-5e94cb40c25b
كان من النتائج المترتبة على وثيقة
السلمي حول المبادئ الدستورية إثارة الجدل مرة أخرى حول قضية الدستور أولا
أو الانتخابات أولا وقد اتخذ المؤيدون للدستور أولا من النموذج التونسي
دليلا على صحة موقفهم وأن الثورة التونسية تسير فى الاتجاه الصحيح بوضع
الدستور أولا على العكس من مصر التي تنكبت الطريق بالتعديلات الدستورية
التي رفعت شعار الانتخابات أولا..
وقد شاهدت د عبد الجليل مصطفى المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير فى
برنامج العاشرة مساء وهو يتحدث عن تجربة تونس وأنه لو تم الأخذ بمبدأ وضع
الدستور أولا فى مصر لتم وضع الدستور فى شهر أو شهرين ولسارت الأمور فى
طريقها المعتاد وإجراء الانتخابات بأسرع من الطريق الذي رسمته التعديلات
الدستورية..
والحقيقة أن ماذكره الرجل يجب التوقف عنده لأنه يطرح تساؤلا حول الحجج
التي كان وما زال يتذرع بها المعارضون لإجراء الانتخابات البرلمانية بحجة
الانفلات الأمني -الذي يعرف أي متابع للشأن العام فى مصر أنه متعمد وعدم
الاستعداد من جانب الأحزاب الجديدة وشباب الثورة وهو الأمر الذي دفع المجلس
العسكري لتأجيل الانتخابات التي كان مقررا لها شهر يونيو..
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف كان سيتم إجراء الانتخابات بعد وضع الدستور
خلال شهرين وهو ما يعنى أن الانتخابات كانت ستجرى تقريبا فى شهر يونيو أو
يوليو وفق هذا السيناريو القائم على وضع الدستور أولا فهل كان التذرع
بالانفلات الأمني وعدم الاستعداد مجرد حجج لعرقلة الطريق الذي رسمته
التعديلات الدستورية؟!! وهل كانت ستختفي هذه الحجج لو أجريت الانتخابات بعد
وضع الدستور أولا؟!!
أما بخصوص التجربة التونسية فإن من يتحدثون عنها لا يدخلون فى تفاصيلها
التي لن تكون فى صالحهم على الإطلاق ولا تخدم الاتجاهات والتوجهات التي
ينطلقون منها بل أزيد على ذلك وأتحداهم أن يطالبوا بتطبيق النموذج التونسي
بحذافيره فى مصر..
إن من يتحدثون عن انتخاب تونس لجمعية تأسيسية لوضع الدستور وأنهم أخذوا
بمبدأ وضع الدستور أولا كمن يقرأ المانشت والعناوين الرئيسية دون قراءة
التفاصيل، فهل ما جرى فى تونس هو انتخاب لجنة أو جمعية تأسيسية لوضع
الدستور فعلا كما كانت الدعوة لهذه الفكرة فى مصر؟
الإجابة الواضحة والحاسمة بالنفي لقد كانت الفكرة الأساسية فى مصر هي
تعيين لجنة لوضع الدستور وهو الأمر الذي كان سيثير الكثير من اللغط حول
تشكيلها وأعضائها وتمثيل القوى المختلفة داخلها فضلا عن التجارب السابقة فى
تشكيل اللجان لوضع الدساتير منذ دستور 1923 حتى دستور 1971 والتي كانت
تنتهي بتدخل السلطة التنفيذية فى الدساتير التي وضعتها اللجان..
أما فكرة تشكيل جمعية بالانتخاب لوضع الدستور فبالتأكيد هو الطريق
الأكثر ديمقراطية ولكن المشكلة الحقيقية التي كانت تواجه هذه الفكرة كانت
فى كيفية الانتخابات والصعوبات العملية التي تواجه هذا الأمر فلنا أن نتصور
المدة التي سيستغرقها اختيار 100 عضو من بين المتقدمين للانتخاب والذين
كان لا يقل عددهم عن 500 مرشح لو افترضنا أنه سيتقدم للمقعد الواحد 5
مرشحين وكيف سيحفظ الناخب الأمي 100 رمز بل من أين سنأتي ب500 رمز على أقل
تقدير؟!!
ولا يتوقف الأمر على الأمي فقط فاختيار مثل هذا العدد سيترتب عليه بطلان
معظم الأصوات ولعل فى عدد الأصوات الباطلة المرتفع فى الانتخابات التي
تتطلب انتخاب عدد كبير وهو بالتأكيد أقل من 100 مثل الهيئات العليا للأحزاب
والمحليات وغيرها دليل على ذلك إذن ماذا فعلت تونس لمواجهة هذا الأمر؟
وكيف تم انتخاب الجمعية التأسيسية هناك؟
الواقع أن ما جرى فى تونس لم يكن انتخاب جمعية تأسيسية خاصة على مستوى
تونس لوضع الدستور كما قد يتبادر إلى ذهن من يقرؤون أو يسمعون العناوين
الرئيسية للأخبار وهنا يجب التوقف عند طريقة الانتخابات واختصاص المجلس
التأسيسي فى تونس أما بالنسبة لأسلوب الانتخاب فقد تم انتخاب المجلس عن
طريق الانتخاب بالقوائم النسبية سواء للأحزاب أوالمستقلين بنفس طريقة
انتخاب المجالس التشريعية..
أما بالنسبة لاختصاصات المجلس التأسيسي المكون من 217 عضو (عدد سكان
تونس 11 مليون تقريبا وعدد الناخبين 7 مليون) ومدته عام فهي وضع دستور جديد
لتونس وممارسة اختصاصات المجالس النيابية من تشريع ورقابة إلى غير ذلك من
الاختصاصات حتى يتم الانتهاء من الدستور وإجراء الانتخابات بالإضافة إلى
الرئيس المؤقت لتونس وبطبيعة الحال انتخاب رئيسه إذن نحن أمام انتخاب مجلس
تأسيسي مطلق الصلاحيات تم انتخابه كما يتم انتخاب أي برلمان وقد أثارت هذه
الصلاحيات ومدة عمل المجلس الجدل فى تونس حتى قبل إجراء الانتخابات حيث
عبرت بعض الأحزاب عن القلق من احتمال استمرار سيطرة المجلس المنتخب المطلق
السيادة لسنوات على البلاد..
وطالبت بألا تزيد مدته على عام على أقصى تقدير وقد أكد فقهاء القانون
الدستوري على أنه لا يمكن تقييد مجلس وطني تأسيسي منتخب بأي نص وأنه سيد
قراره (تانى سيد قراره!!! ) بموجب تجسيده سلطة الشعب وأن وضع الدستور الأول
لتونس المستقلة من قبل المجلس الوطني التأسيسي الأول في تونس الذي انتخب
عام 1956 بعيد الاستقلال، تطلب ثلاث سنوات..
وقد أقدم ذلك المجلس على إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 1957 واختار
الحبيب بورقيبة كأول رئيس لتونس.. فهل يقبل الأخوة المنادون بالدستور أولا
بهذا النموذج؟ هل يقبلوا أن يتحول البرلمان القادم فى مصر إلى مجلس تأسيسي
يتمتع بنفس صلاحيات المجلس التأسيسي التونسي؟
هل يقبلون ذلك وهم الذين يرفضون مجرد أن يشكل البرلمان المنتخب لجنة من
100 عضو سواء من أعضاء المجلس أومن خارجة أو من الطرفين معا لوضع الدستور
ثم تنقطع صلة المجلس تماما بهذه اللجنة فلن يكون له علاقة باللجنة ولا
بالدستور الذي ستضعه والذي سيعرض بعد إعداده على الاستفتاء الشعبي ليقول
كلمته النهائية بالموافقة أو الرفض..
إن المشكلة الحقيقة للقوى العلمانية والليبرالية واليسارية هي سيطرة
هاجس فوز الإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية وبالتالي تشكيلهم الأغلبية
داخل لجنة وضع الدستور وإنفرادهم بوضعه وهو الهاجس الذي جعلهم يقبلون
بوثيقة السلمي التي تزج بالجيش فى العمل السياسي وهو الأمر الذي لم
يعترضوا عليه فى الوثيقة حيث انصبت الاعتراضات والتحفظات على المادة الخاصة
بالجيش..
وهو الأمر الذي جعلهم يستندون إلى التجربة التونسية لتدعيم رأيهم حول
الدستور أولا مع أنهم أول من سيرفض تطبيق هذه التجربة فى مصر وإذا كانوا
جادين حقا فى الأخذ بالنموذج التونسي فليعلنوا موقفهم بصراحة ووضوح وليدعوا
لانتخاب مجلس تأسيسي بنفس الصلاحيات وبنفس الطريقة وفتح باب الترشيح من
جديد على أساس الوضع الجديد لإعطاء الفرصة لمن يرغب للترشح وفق هذه
الصلاحيات فهل يملكون الجرأة لمثل هذه الدعوة؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق