يونيو 12، 2011

حوار صحفي


خاص
جمعة شاوش (كاتب عام أسبق للجنة تنسيق الحزب الحاكم –سابقا - بالمنستير ومحافظ سابق بقفصة) يتحدث :
 





-        لم تكن لنا إنتخابات ...حتى نتحدث عن التزوير
-        التجمع أمم الحياة السياسية ...ولابد من إعادة بنائه ...
-        علينا أن ندفع الثمن ...ومستقبل الحزب الدستوري  في المعارضة ...

 شغل جمعة شاوش خطة كاتب عام للجنة تنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي -الحزب الحاكم طيلة حكم بن علي- من مارس 1988 إلى 1990ثم عين معتمدا أول بقفصة (1990-1992) لينتقل إلى الإدارة المركزية للتجمع لمدة لم تتجاوز الأربعة أشهر (؟)  ثم بالإدارة المركزية بوزارة الداخلية لمدة ستة أشهر ، ليعين معتمدا أول بالكاف ( 1993- 1996) ثم إنتقل بمثل خطته إلى صفاقس إلى غاية سنة 2002 تاريخ تعيينه في سوسة بنفس الخطة،  وسنة 2004عين واليا ( محافظا) على قفصة( التي شهدت سنة 2008 إنتفاضة الحوض المنجمي) وهي الخطة التي شغلها إلى نهاية سنة 2005 تاريخ إقالته في ظروف غامضة على يد الطرابلسية ...
وعلى الرغم من ملازمة مسؤولي العهد السابق للصمت التام فإن جمعة شاوش لم يتردد في الحديث إلينا في هذا الحوار الخاص ...

-بعد سقوط  نظام بن علي هل مازلت تجمعيا ؟

منذ غادرت المسؤولية سنة 2005 ثم إحالتي على التقاعد  لم أجدد إنخراطي في التجمع بل إني لم أتحصل حتى على بطاقة ناخب ... أما اليوم وبعد الثورة التي حققها أبناء تونس الأحرار فإني أشعر بأني دستوري ومنتم للحزب الحر الأصيل كما بناه المناضلون المؤمنون بتونس حرة مستقلة ... أقول هذا الكلام وأنا متقاعد لا طموح لي ولا أرغب في أي مسؤولية في المرحلة القادمة ...

- هل يمكن إعادة بناء "التجمع الدستوري الديمقراطي"؟

طبعا ولاجدال في ذلك بل إن إعادة البناء ضرورية ولعلها مطلب وطني ولابد أن تكون إعادة البناء على قواعد نضالية صحيحة تعمل على إرسائها نخبة مؤمنة بالعمل الديمقراطي وهذا يلزمه وقت طويل ...

- كيف ترى موقع الحزب بعد إعادة بنائه ؟

موقعه في المعارضة ... وعلى أبناء الحزب المخلصين والشرفاء أن يكونوا مستعدين نفسيا لهذا الموقع ... فهذا جزء من ثمن لابد من تسديده على ما مضى ...
ويهمني أن أؤكد على أن الثورة قد أطاحت بالإنتماء الحزبي الضيق مهما كانت أطروحاته وعلى كل الأحزاب إعادة صياغة  مفهوم الإنتماء الحزبي ...

- يرى كثير من التونسيين أن التجمع لم يكن يوما حزبا بل هو أداة قمع في يد السلطة الحاكمة طيلة أكثر من عقدين ...

من يقول هذا الكلام أظنه يرى تونس بلدا معلقا بين السماء والأرض ... لا تنس أننا نعيش في محيط جغراسياسي عربي كل مكوناته من الأحزاب أو ما شابهها هي واجهة للسلطة وهذا أمر من طبيعة الأحزاب الحاكمة فهي تساند بالضرورة النظام القائم ...

- هل تبلغ مساندة النظام الحاكم تزوير الإنتخابات وتزييف إرادة الشعب؟

لا يصح الحديث عن تزوير لأن الحديث عن الإنتخابات غير منطقي من الأساس...علينا أن نعترف بأنه لم تكن لنا يوما إنتخابات لا بلدية ولا تشريعية ولارئاسية... وهذا ليس شأنا تونسيا فقط بل إن إنتخابات العالم الثالث كله تقريبا مجرد ديكور للإستهلاك الخارجي "الناس الكل تعرف ما ثماش إنتخابات" والتوانسة الكل يعرفوا الحقيقة هاذي ...

- وهل هذا وضع طبيعي ومقبول ؟

لا ولكن أنت سألتني وأنا أجبتك ... ذلك هو واقعنا  الذي أرجو أن يتغير بفضل الثورة ...

- من يضمن أن التجمعيين لن يلتفوا على هذه الثورة ؟ ماهي الضمانات ؟

المحاذير قائمة من الداخل ومن الخارج ... ولكن علينا أن ندرك ان ما وقع هو ثورة حقيقية  وأنت تلاحظ الحراك الديمقراطي في العالم العربي ....آنظر إلى ما يحدث في مصر والأردن واليمن والجزائر ... هناك حراك نحو الديمقراطية إنطلقت شرارته المباركة من تونس ...ولكن علينا أن نحافظ على هذه الشرارة حتى لا يتكرر ما حدث في الجزائر التي إنتقلت من مجتمع مؤمم بالكامل إلى الإنفلات التام وما آل إليه الوضع من سنوات الإرهاب ألأعمى ...


علينا ان ندرك ان ما حدث في تونس يستند إلى تراكمات أجيال وتضحيات كبيرة أطاحت برمز الديكتاتورية وفتحت الأفق واسعا  لبناء مجتمع ديمقراطي عصري

- يرى البعض أنه بفرار بن علي قطع رأس الأفعى ومازال جسدها فما هو رأيك؟

التخوف مشروع لكن النظرة الإستئصالية ظالمة ومتجنية وشكل من أشكال الديكتاتورية ...

- ولكنكم مارستم الديكتاتورية كتجمعيين؟

لنتفق أولا ما معنى أن تكون تجمعيا؟ وهل يمكن وضع الكل في خانة واحدة"في شكارة واحدة"؟ هذا إجحاف في حق المئات بل الآلاف إذ لابد من التفريق بين التجمعي القاعدي ومن هو في القيادة "ثمة برشة موش عارفين علاش هوما في التجمع" هناك أناس إنضموا للحزب "باش يدبروا روسهم" وثمة آخرون يعتقدون أنهم يخدمون قراهم ومدنهم وجهاتهم وبلدهم في النهاية ...الإنتماء للتجمع في المطلق ليس جريمة أو خيانة عظمى ليرجم الكل بالشكل الذي تتحدث عنه...كلنا أخطأنا ...

- لماذا صمت التجمعيون إذن إن لم يكونوا مذنبين؟

لابد من الإعتراف بأن الحزب في حالة غيبوبة وهي حالة مفيدة وضرورية حتى يتمكن الحزب من مراجعة نفسه بما يستجيب لحياة ديمقراطية تعددية وأعتقد أن صمت التجمعيين خدم تونس لأنه جنب البلاد الدخول في صراعات إضافية لن تجدي شيئا ..."على الأقل عاونا بالسكات"...

- هل الصمت قرار مدروس؟

لا أدري ،"ما نعرفش" الأكيد أنه ثمة ذهول حد الغيبوبة ولكنه موقف ينسجم مع طبيعة المرحلة .


- هل إنتهى التجمع الدستوري الديمقراطي؟

بالشكل الذي كان عليه نعم إنتهى ... لا معنى لحزب عدد منخرطيه بالملايين ...حكاية فارغة ...إنه نوع من تأميم الحياة السياسية ...على أبناء الحزب الدستوري أن يعودوا إلى الميدان ...الحزب عمل نضالي وليس عملا إداريا

- ماهو موقفك من الحكومة الإنتقالية؟

"ماعنديش رأي شخصي" فقد بلغنا مرحلة لابد من ان نتجاوز فيها الحكم على الأشخاص من هذا الفصيل او ذاك... المهم ان نستجيب لنبض الشارع الذي اصبح الكل ناطقا رسميا بإسمه ولكني مقتنع ان الشعب التونسي قد إتخذ قراره بالتوجه نحو ديمقراطية تعددية قريبة من النموذج الغربي فالتوانسة رواغوا الزعامات السياسية والنقابية وسبقوها بأميال ودور هذه القيادات اليوم ان تبلغ بنا شاطئ ألأمان بمساعدة الجماهير دون إحتوائها

-هل لك ثقة في الزعامات الحالية؟


نعم، لي ثقة في كل التونسيين ،التونسي الحقيقي يحب تونس ويفديها بحياته

- هل تقوم  بدورها في هذه المرحلة؟

أشعر بأنهم عموما لم يرتقوا إلى ممارسة رجال الدولة فأداءهم فيه كثير من التشنج وخاصة في الأيام الأولى التي تلت 14 جانفي ...الحمد لله أن اللهجة تغيرت  وأرجو أن يكون الجميع أكثر إيجابية ...


- هل تخشى من صناعة صنم جديد بعد 7نوفمبر؟

مطلقا لأن الشعب  إختار رمزه وإنتهى الأمر ...رمز هذه الثورة هو الشهيد محمد البوعزيزي شاب كادح شريف عنفته إمرأة ...وفي المقابل رئيس هارب عنفته إمرأة بطريقة أخرى ولم يستطع ردعها ...

- هل لك طموح سياسي؟

ليس لدي أي رغبة في العودة إلى ميدان السياسة"خذيت وقتي"وحان الوقت ليجني الشباب ثمار ثورتهم ... أما كمواطن فقد تجاوزت الغبن وكل طموحي أن أساعد أبنائي الشباب من الجيل الجديد ليكونوا في مواقع القيادة فهم وحدهم من صنعوا الحدث

- هل يمكن أن تكشف لنا سبب إقالتك قبل خمس سنوات؟

"الناس تعرف"...ولا أظن أنه من المناسب أن أتحدث اليوم عن سبب إقالتي ...عودوا إلى صحف المعارضة والمواقع الألكترونية ستجدون كل شيء ( تتفق الروايات على أن إقالة المحافظ كانت بسبب رفضه الضغط على نادي قوافل قفصة للتنازل عن نتيجة مباراة مصيرية في كرة القدم ضد نادي حلق الوادي الذي كان يرأسه عماد الطرابلسي إبن شقيق ليلى الطرابلسي ، وجرت المباراة بين الفريقين وإنتهت بإنتصار قفصة وسقوط حلق الوادي إلى القسم  الثاني  وطبعا لم يغفر الطرابلسية عدم إنصياع المحافظ للتعليمات )


- كيف وجدت تعامل الناس معك بعد سقوط نظام بن علي ؟ هل كنت عرضة لتهجم منهم ؟

بالعكس...أنا أعيش في قريتي بين أهلي ومنذ إقالتي إخترت أن أعيش على مسافة من الكل حتى لا أحرج أحدا ... خاصة واني في نظرهم مغضوب علي من النظام الذي كان قائما ...اما بعد ثورة 14 جانفي فأحس بإعتزاز ابناء مدينتي الوردانين بي ورغبتهم في التحدث إلي ..."لا سرقت لا خطفت والناس تعرف هذا"

- كيف ترى مستقبل تونس؟

لنحذر النعرات والعصبيات ولننتصر لصوت العقل والحكمة... فقد نقاد في غفلة منا إلى ما لا يحمد عقباه...تحت غطاء الحرية قد تعلو أصوات تروّج لطائفية بعنوان أمازيغية أو شيعية أو شعبوية أو عبادة الصنم أو قبلية وعروشية...هذا المجتمع المتحضر المتجانس المتماسك قد تُستهدف مقوّمات وحدته التي هي صمّام أمانه لاستكمال استحقاقات ثورته..."أليس الأفضل أن توقد شمعة من أن تلعن الظلام " الذي كان يغطي سماءنا..أجل يجب أن نصرّ على محاسبة كلّ من استفاد من الظلام،إلا أنّ المحاسبة يجب أن تكون منصفة لا تُلحق أذى معنوي أو مادي بأي بريء مهما كانت قناعاته أو اجتهاداته ...يجب أن نقتنع بأنّ حضن تونس الدافئ تطهّر اليوم من الخطيئة والهوان بفضل دماء شهداء أبنائه الزكية، كلّ شهدائه في كامل أرجاء الوطن بدءا بسيدي بوزيد والقصرين والوردانين وشرارة الحوض المنجمي ووصولا إلى انخراط الجميع في هبة شعبية رائعة أطاحت بالطغيان وصنعت ثورته على الطريقة التونسية الفريدة من نوعها.


القهر هو القهر، لكن مقاومته والانتصار عليه له دروب وشعاب شتى نتلمّسها بمصباح واحد اسمه: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر...لكنّ الطرق الوعرة التي نروم قطعها تستوجب وسائل متنوعة ومتباينة لا تنتجها غير شعوبها الخبيرة بشعابها-"أهل مكة أدرى بشعابها"-...ما يحدث اليوم-مثلا- في مصر يعتمد إرادة مماثلة لأرادة الشعب التونسي لكنه يبتدع وسائل نضاله الخاصة به التي هي ليست بالضرورة أدوات النضال التونسية...


لديّ اقتناع بأنّ الشعب التونسي وهو يصوغ ثورته على النحو الذي كانت عليه،كان يستحضر التاريخ من خلال تجاربه وتجارب غيره من الشعوب،فتعمد حرمان نخبه المناضلة من وضعها في واجهة الحدث التاريخي الذي اختار له رمزه شابا شريفا كادحا منحدرا من الطبقة الشعبية الأكثر تمثيلية للمجتمع،والأكثر تضررا من الاضطهاد والحيف (محمد البوعزيزي)،ثار الشعب من أجل البوعزيزي انحيازا وانتصارا لكلّ "بوعزيزي" في هذا الوطن،لكل عزيز بشرف العمل مهما كان متواضعا وبكل عزيز أثبت رفض الظلم بتقديم حياته قربانا للكرامة الإنسانية في أنبل وأسمى أبعادها ... بطل الثورة روح تحلّق في سماء تونس لا شخصا يحيا بين الشعب يطالبه بحمله على أعناقه والتسليم له بالزعامة والتسبيح باسمه...فعلها شباب تونس،كما لم يفعلها غيره،حين راوغ نخبه ورموز نضاله فضلا عن جلاديه وبطانتهم والمستسلمين لهم،فصنع الحدث في غيبة البعض وغيبوبة البعض الآخر... لم يكن راغبا ولا محتاجا لقيادة توقّع على ثورته سوى روح البوعزي وبقية الشهداء لأنه كان يخشى أن تفرز له صنما يتحوّل إلى إله يعبده وهو الذي ثار من أجل التحرر من عبادة الأصنام واستبدادهم...فعلها الشعب فأجهض خطط  النخب السياسية في الحكم والمعارضة حتى لا ترتهنه فتستعبده،وفرض عليها،بكل مشاربها وأهوائها وإيديولوجياتها،أن تعترف أنها مهما ادّعت البطولات والتحديات هي ليست إلا انخراطا في مسار إرادته للحياة يتقدمها في الفعل التاريخي الحاسم ولا تتقدمه حتى لا تدّعي يوما أنّها صنعت ثورته وأنه لولاها ما كان ليثور على الاستبداد والفساد.


اختار الشعب أن يثور من أجل شاب كادح شريف لا علاقة له بالحراك السياسي في البلاد،شاب من رحم أغلبيته الساحقة قرر بقرار فردي أن يحتجّ على القهر والفساد والتهميش،أن يثور بإشعال النار في جسده أمام مقر السلطة الحاكمة مشهرا بامرأة هانته وعنفته بما يسمح بالإسقاط على تعنيف "حاكمة قرطاج" وحاشيتها لديكتاتور كان قادرا على قمع شعبه وعاجزا عن ردع زوجته.

*محمد بوغلاب
صحفي- تونس



نقلا عن الصحيفة الالكترونية تونسنيوز
tunisnews-----http://www.tunisnews.net/11Fevrier11a.htm