سبتمبر 24، 2011

الثورات العربية بين المنشود والممكن(2):الإخوان المسلمون في مصر

محمد حسنين هيكل


الثورات العربية بين المنشود والممكن(2) : مكانة الإخوان المسلمين في مصر.


فيما يلي قراءة المفكر الكبير محمد حسنين هيكل لتاريخ وحاضر الإخوان المسلمين في ضوء تقييم دورهم في الثورة المصرية منقول عن حوار بجريدة الأهرام:

وللأمانة فإن الإخوان المسلمين هم العنصر الأظهر في المشهد السياسي هذه اللحظة وهم عنصر شديد التعقيد وشديد الحساسية, فقد بدأوا في أواخر العشرينيات من القرن الماضي القرن العشرين جماعة تدخل إلي الساحة, ووراءها خلفية إسلامية ظاهرة, وأمامها تنظيم شبابي نشيط صنعته مهارات استثنائية في الحشد توفرت للمؤسس الأول للإخوان المسلمين, الأستاذ' حسن البنا', وقد كنت دائما أقول لمن أعرف من أقطاب الإخوان المسلمين, وفيهم أصدقاء أعتز بهم. إنني خلافا لمعظم الإخوان رأيت مرشدهم الأستاذ' البنا' في كافة أحواله: رأيته في عز قوته في الشباب بعد صلاة الجمعة ذات مرة سنة1946, ثم رأيته في شدة ضعفه يوم كان يستعد ليقدم لوكيل وزارة الداخلية بيانا يتبرأ فيه من قتلة' محمود فهمي النقراشي'( باشا), وكان عنوان بيانه:' ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين' وتلك وقائع معروفة ومنشورة لا داعي للعودة إليها الآن.
لكن الذي حدث هو أن الإخوان المسلمين لم يكونوا في أي وقت من الأوقات في وضع يمكنهم من حضور سياسي قانوني, أو من حضور فكري عصري.
وكانت تلك ملابسات ظروف أوسع منهم.
ذلك أن التجديد الحديث في الفكر الإسلامي قام به الشيخ' محمد عبده'.
لكن التنظيم الإسلامي المستجد قام به الأستاذ' حسن البنا'.
ولم يحدث أن التقي فكر' محمد عبده' مع تنظيم' حسن البنا', ولو حدث لكان للإخوان المسلمين الآن شأن آخر يفوق ما تطورت إليه التنظيمات الإسلامية في' تركيا' مثلا.
لكن الإخوان المسلمين في مصر عرضوا أنفسهم أولا ثم تعرضوا هم ثانيا لكوارث.
والسبب أنهم مع وجود خلفية إسلامية لها قيمتها, وإن كانت غير محددة ولا متجددة وراءهم وفي نفس اللحظة مع وجود تنظيم قوي بناه' حسن البنا' وقعوا في مآزق كثيرة.
أولها: أن هناك من حاول من البداية استعمالهم في معركة الخلافة بين الطامعين في الخلافة من العرب بعد سقوطها في' إستانبول', يستوي في ذلك ملوك مصر من أسرة' محمد علي', أو ملوك السعودية وأسرة' عبد العزيز', فالطرفان حاولا, الملك' فؤاد' بقوة النفوذ, والملك' عبد العزيز' وخلفاؤه بقوة المال!!
والثاني: أن الإخوان حين حاولوا أن يثبتوا أنفسهم طرفا لابد أن يحسب له حساب فعلوا ذلك بقوة التنظيم السري اختصارا للطرق, وذلك أدخلهم في غياهب العنف.
وقادهم ذلك إلي صراع مع النظام الملكي في مصر, وصل بعد اغتيال' النقراشي'( باشا) أواخر سنة1948 إلي أمر ملكي-!- باغتيال مرشدهم الشيخ' حسن البنا' أوائل سنة1949, ثم إلي أول حملة اعتقالات وتشريد لحقت بهم في وزارة' إبراهيم عبد الهادي' في تلك الفترة.
وعندما جاءت ثورة1952 تكرر الصدام بين الإخوان وبين السلطة, وكانت هذه المرة سلطة الثورة, فقد طالبوا بحقوق لم تكن لهم, وعندما لم يستجب لهم' جمال عبد الناصر', حاولوا اغتياله( ومن العيب حتي أخلاقيا أن يقول أحد منهم اليوم: أن حادث المنشية كان تمثيلية, مع علمي أن بعضا من أكثرهم استقامة اعترفوا بها وانتقدوا تنفيذها, وكذلك تكرر بعد ثورة1952 نفس ما كان قبلها بين الإخوان والسلطة, وتعرض الإخوان وأنا في هذه النقطة بالتحديد متعاطف معهم لمحن قاسية!!
ثم عاد الإخوان المسلمون بعد غيبة طويلة في أواسط عهد' مبارك' إلي الساحة, وكانوا محظورين رسميا, نشيطين فعليا, فقد تعلموا درسا سمعت ملخصه علي لسان كثيرين من زعمائهم:' تعلمنا ألا نصطدم مع سلطة الدولة, لأن وسائلها أقوي منا بكثير'.
عاد الإخوان المسلمون إلي الساحة, ساكتين ومنتظرين, ولا يتحركون إلا بحذر!! ومن سوء الحظ أنهم لم يستطعوا تقييم تجربتهم, لا في الحضور ولا في الغيبة.
ثم إنهم راحوا في الانتظار والتربص, ينقسمون علي أنفسهم, ويخرج منهم الفوج بعد الفوج من' الجماعة الإسلامية' إلي' الجهاد' إلي' طالبان' إلي' القاعدة' إلي جماعات أخري شطحت بها السبل, فإذا هي تظهر في حكاية' الجهاد الإسلامي' في أفغانستان, وفي' القاعدة', وفي قاعدة' السودان' وفي قاعدة' اليمن' وغيرها!!
ووقع إخوان مصر في مأزق مع أنفسهم, وفي لحظات قريبة قبل الثورة, بدا وكأن الجماعة تتفكك.
وتدفقت أحداث وأحداث ليس هذا مجالها وفوجئ الإخوان بالربيع العربي الذي لم يكونوا قد لحقوا به عند البداية, بل إنهم تحفظوا عليه بسياسة' محظور الاصطدام' بسلطة الدولة, وفجأة هرولوا إلي الميدان عندما بدا أن نظام' مبارك' يتهاوي!!
وكل ذلك مفهوم, وكل هذه قضايا تخصهم, لكن الحوادث جاءت بما هو أخطر, ويخص كل الناس وليس الإخوان وحدهم, ذلك أن الإخوان بعد نجاح الثورة, وفي خلال فترة الحيرة في أعقاب الثورة راحوا يتخذون مواقف تثير التساؤل.
فجأة تجمعت صفوفهم التي كانت علي وشك أن تتفرق وتتبعثر.
وفجأة شكلوا حزبا سياسيا مع بقاء الجماعة وراء ظهره!
وفجأة تغير خطابهم وطالته نبرة ثقة ليس في ظاهر الأمور ما يبررها.
وفجأة تصرفوا بقسوة مع بعض أبرز أقطابهم:' عبد المنعم أبو الفتوح' مثلا!!
وفجأة صدرت عنهم إعلانات فيها كثير مما لا لزوم به في أبسط الأحوال!!
مثل قول بعضهم: أنهم سوف يتنافسون علي ثلث مقاعد البرلمان فقط, ولن يزيدوا عليها( والمعني أنهم يستطيعون الحصول عليها كلها, ولكن التعفف السياسي يري بإرادته أن يتنازل عن شيء للآخرين).
ثم قول بعضهم: أنهم لن يتنافسوا علي رئاسة الدولة( والمعني أنها في متناول أيديهم إذا شاءوا).
ومع الأيام راحت الحصص تزيد, وسقف المطالب يرتفع حتي وصلنا إلي الإنذارات: فترة الانتقال لابد أن تنتهي في الموعد الذي أعلن عنه, إذا تأخرت فهناك عواقب, ووصل الأمر إلي حد القول بأنه إذا تأخرت الانتخابات يوما, فإن سيلا من دم الشهداء سوف يسيل!!
وكان ذلك كله ملفتا, وكثيرون لم يجدوا له داعيا مستجدا إلا أن هناك قوي دولية كبري أولها الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع علي الإخوان حظرا' فيتو', ثم إن هذه القوي رفعت حظرها أخيرا عن الإخوان, وأعلنت أنها لا تمانع في التعامل معهم, وذلك ما قاله' باراك أوباما'( رئيس الولايات المتحدة), وكررته' هيلاري كلينتون' وزيرة خارجيته!!
وذلك موضوعيا له سبب قد أعود إليه فيما بعد!!
}
كل ذلك ولا يسأل أحد عن شريك في الوطن منذ كانت بداية الوطن ولا يمكن لرحلة المستقبل أن تتم بدونه وهو أقباط مصر, وهم بالعدد أكثر من عشرة ملايين, أين هم؟! ما هي حقوقهم في العيش المشترك خصوصا عندما يجيء الدور علي وضع دستور, والدساتير كلها إجماع طوعي, وليس أغلبية وأقلية, لأنها كما قلت مواطنة عيش مشترك, لا يقبله طرف إلا بكامل حريته, وبرضاه واختياره, وهذه مسألة لا أريد الآن الدخول فيها بالتفصيل, لكنها عصية علي الحل بمقولات غريبة يرددها البعض هذه الأيام دون فهم للحقائق, ودون فهم للعصور, بل ويحزنني أقول دون فهم لمعاني الألفاظ ومسئولياتها.
مثل أن يقول أحد لهم ولغيرهم: مصر دولة إسلامية, ومن لا يريدها كذلك عليه أن يرحل منها, ومثل أن يتحدث أحد عن خضوع أقلية لأغلبية, ومثل ما يقال عن السماحة, وعن عهد الذمة, ومثل هزل قبول الآخر, إلي غير ذلك مما تكرر والقول غير مسئول, وأهم من ذلك غير مدرك!!
الأهرام  20سبتمبر 2011- السنة: 136- العدد: -45578

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق